الاثنين، 28 أكتوبر 2019

العلاقات الشخصية

فكرة العلاقات العميقة -على وجه التحديد الحميمية منها- فكرة في غاية الرعب. تخيل أن تصل إلى مستوى عميق من التواصل مع شخص ما ، كان في السابق غريب عنك ، أو ربما قريب منك قرباً لا يخلو من رسمية في التعامل و ضمن حدود معينة يقتضيها الظرف الذي جمعكما ، لكن لسبب ما -غالباً نعزوه إلى القدر لعدم وجود جواب واضح حوله- قررت أن تقيم نوع مميز من الالتحام الروحي و الفكري مع هذا الشخص.

رُعب العلاقة العميقة لا يكمن فقط في تعرية الذات بل و حتى الروح أمام هذا الكيان الجديد المخيف الجميل المختلف.
على كثرة المشاعر المبعثرة و اتقادها ما بين نار الرغبة و نير الرهبة تجد نفسك مدفوعاً بقوة لا إرادية مصدرها يتجاوز حدود عقلك أو ثوابت منطقك. قوة تجعل الكلام المعسول الذي لا يُقال في أي مقام ينساب منك انسياب العسل من أفواه النحل و يصدر عنك سلوك أو تصرفٌ تحار فيه هل هو ذلة عاقل أم نزوة جاهل ، و في كلتا الحالتين كلما زادت حيرتك كلما زاد حبك لهذا السلوك الذي تسعى لتبريره حباً تارةً و حياءً تارةً أخرى.




في الواقع أنت لم تتكلف بما صدر عنك من سلوك عفوي ، هذه هي طبيعتك. لكن كيف أفلتت زمام الأمر من يد عقلك بهذا الشكل الغير اعتيادي ؟!
و هل يا ترى سوف نقف عند هذا الحد أم أننا نغوص في أعماق المجهول كما البحر الهائج ، كلما تعمقت كلما غرقت .
إذا فمصدر الرعب و مبعثه في هذه القوة الخفية  اللامتعقلة هو الخوف من تبعاتها و الحدود التي من الممكن أن نتخطاها دون سابق وعي منا أو ربما بوعي و رضا تام لا تشوب جماله شائبة شك !



ومما لا شك فيه ولا يفوت عاقل أن معظم ما سبق ذكره يحصل في حالة متفردة في عليائها بين العلاقات الشخصية و هي الحب.
نعم الحب حيث تستسلم الروح لقاتلها و تهيم فيه! دعنا نقول أن الحكمة في الحب هي إيجاد التوازن بين القلب و أغواره و العقل و أفكاره ، الحكم بالعاطفة أم بالموضوعية. لا يوجد من هو سعيد في حب مؤقت أو محدد أو مقيّد بعرف أو تقاليد أو بيئة أو مجتمع ، فالمثالية في هذا الأمر نادرة بمكان. 

أظن جازماً أن أجمل مافي هذا الحب هو اكتشاف الذات من جديد ، اكتشاف ذواتنا التي لا نعرفها بشكل جديد تذوب فيه الجدية و الانضباط و تتلاشى حدود العقل لتترك خلفها قلباً لا حدود له.
هنا يأتي دور الطرف الثاني من المعادلة -الحبيب الذي يلهج القلب بذكره و يتجنب العقل تذكره مرةً شوقاً و مرة وجلاً- هل سيجعل من قلب شريكه جنةً عامرة بالحب أم جحيماً يذيب فؤاده؟وهذا يعني أن الذي يحبك إنما يحب نفسه ، فقد وجد ذاته فيك و اندمجت روحه بروحك.

الحب من وجهة نظري نوع راق من أنواع تهذيب الذات و في عين الوقت نوع قاس من تعذيب الذات.
كل واحد من الطرفين يخوض رحلته الشخصية مع الطرف الآخر في إعادة البحث عن حقيقة كل منهما و اكتشاف أغوار بعضهما البعض بجيدها و بسيئها بحلوها ومرها. فيسعد لخيرها و يحاول تغيير أسوئها أو أضعف الإيمان تقبلها .



روعة الحب ليست بجمال الحب بحد ذاته بل بالأثر الرجعي الذي يتركه هذا الحب خلفه بعمق ما يُخلّده في وجدان و عقل و عاطفة الطرف الآخر ، بحجم التأثير في فكر الآخر و تغير بعض المفاهيم التي كانت حتى حين ثابتة.
إنه نضوج إنساني متكامل الأركان هو ينضج منها و فيها و هي تنضج منه و فيه.

رغم الخوف منها ، إلا أن القرب لا يكون بالبعد

فالحب لا يمكن أن يكون سطحياً و إلاً أصبح تقديراً
و الود لا يمكن أن يكون محدداً و إلا أصبح احتراماً
وهكذا هي كل العلاقات لا بد من العمق فيها إذا ما طلبنا الكمال
فأكمل العلاقات أعمقها
و أجمل الحب أصدقه




ماينتس ، ألمانيا
٢٩ صفر ١٤٤١ هجرية

الخميس، 1 مارس 2018

هل سنشهد نهوض الفارس العثماني قريباً ؟


من يتابع مجريات الأحداث متابعة حثيثة ، يجد أن الأوربيين يعيشون حالة من الرعب والخوف الهستيري - بعد الانقلاب الفاشل و من بعده نجاح الاستفتاء في تركيا - أوصلهم إلى مرحلة من المراهقة السياسية و حتى غياب ضبط النفس في بعض الحالات .
هنا يأتي السؤال التالي :
لماذا كل هذا الخوف والقلق ؟!
ما هو الهدف من هذه الحملات الإعلامية في الإعلام الغربي المناهضة لمعركة "غصن الزيتون" والتي تهدف لحماية الأمن القومي التركي؟
لماذا كل هذه المعارضة للأحزاب التركية الإسلامية و حتى القومية منها ؟!!.
لماذا كل هذا التردد في الموافقة على ضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي والتهديد بسحب الجنسية المزدوجة من المواطنين الأتراك؟!

هنا نجيب بذات الأسلوب و نسأل :
ماذا يعني عام 2023 لتركيا ؟!
لماذا استماتت الدولة العميقة في تركيا على تغيير الدستور من خلال الاستفتاء للوصول إلى استقلالية القرار؟!
ولماذا تقلق اوروبا وخاصة ألمانيا من عام 2023 ..؟

لقد قام الانقلابي العلماني كمال أتاتورك الذي أسس الجمهورية التركية الحديثة بعد إسقاطه لآخر القلاع الإسلامية في الشرق - و هي الخلافة العثمانية - بإبرام معاهدة دنيئة تنازل العميل الخائن من خلالها عن أملاك الإمبراطورية العثمانية فى ثلاث قارات .
سميت هذه الاتفاقية بإسم "معاهدة لوزان" عام 1923

 تم إبرام هذه المعاهدة الخسيسة مع الحلفاء المنتصرين فى الحرب العالمية الأولى والذين كانوا ﻻ يزالون يحتلون أجزاء كبيرة من تركيا .
رمز دولة الخلافة العثمانية
بريطانيا هى التى وضعت هذة الشروط الخطيرة والمجحفة للسيطرة على تركيا و مواردها حتى 100 عام قادمة من تاريخ التوقيع عليها عام 1923.
ومن هذه البنود :
1 - إلغاء الخلافة العثمانية ، ونفي السلطان وأسرته خارج تركيا
2 - مصادرة جميع أموال الخلافة والسلطان
3 - إعلان علمانية الدولة
4 - منع تركيا من التنقيب عن البترول على أراضيها ويمكنها إستيراد البترول فقط
5 - إعتبار مضيق البسفور ممراً مائيا دولياً و لا يحق لتركيا تحصيل رسوم من السفن المارة فيه .
للعلم مضيق البسفور يربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة ومن ثم إلى البحر المتوسط.
أي أن معظم تجارة أوروبا مع دول الاتحاد السوفيتي و شرق آسيا تمر خلاله .
لذا هو ممر فى غاية الاهمية مثل قناة السويس .

مربط الخيل - كما يقال - أنه سينتهي العمل بهذه المعاهدة عام 2023 ويكون قد مر عليها مائة عام .

من هنا نلاحظ تصريحات القيادة التركية المتتالية بأنه بحلول 2023 ستنتهى تركيا القديمة ولن يكون منها شىء ، الحكومة التركية بعد الاستفتاء الأخير تسعى و بقوة للحصول على الشرعية المطلقة باتخاذ القرار و إصدار المراسيم الحاسمة دون الارتباط بقيود برلمانية أو حزبية قد تعبث فيها الأيدي الطامعة .
 انطلاقاً من هذا ستشرع تركيا فى التنقيب عن النفط ، وحفر قناة جديدة تربط بين البحرين الأسود ومرمرة تمهيداً للبدء فى تحصيل الرسوم من السفن المارة .
كانت تركيا خلال السنوات العشر الأخيرة تُعد نفسها داخلياً و تبني البنية التحتية بشكل سريع وقوي .
يمكننا رؤية هذا من خلال عدد الجامعات و كفاءتها إضافةً للمطارات و الجسور و الأنفاق و شركات التسليح و غيرها .
 
رمز الجمهورية التركية
 هذه الإجراءات المتعاقبة ستدفع عجلة الاقتصاد التركي بشكل كبير جداً ، مما سيوصل تركيا إلى تخطي هرم الاتحاد الأوروبي اقتصادياً و عسكرياً .
فألمانيا و فرنسا و هولندا تعاني من أزمات الرأسمالية ومن تنامي اليمين المتطرف و تبعاته من انفصال و تطرف و غيرها .
أما باقي دول الاتحاد فهي مثقلة بالأزمات الاقتصادية بل يعاني بعضها من شلل تام .
و هذا أكبر دليل على أن أيام الاتحاد باتت معدودة و إن طالت قليلاً . 

 ليس هذا فحسب بل سيكون هناك مركز و حاضنة جديدة للعالم الإسلامي ، سينبثق عنها ثورة فكرية ذات اتجاه تجديدي للفكر الإسلامي المعاصر ، يهدد كل المذاهب المتطرفة الأخرى و يُعيد مكانة الدين إلى الصدارة .

بناءاً على ماسبق يمكنك فهم بعض أوجه الحرب الدائرة بين تركيا والغرب بضراوة شديدة.

أظن جازماً أننا سنشهد في الأعوام الستة القادمة نهضة تركية مخيفة .
فالفارس العثماني الأسير سينفض عن أجنحته غبار الذل و الاحتلال
و لن يوقفه أحد ..